تضم واحداً من أهم الموانئ السورية
بانياس وقلاعها ،، حضارة عمرها آلاف السنين
بانياس الساحل، المدينة المطلة على البحر المتوسط، والمعروفة بجمال طبيعتها ووفرة
خيراتها، إلى جانب تاريخها العريق الموغل في القدم، تبعد عن مدينة طرطوس حوالي 40
كيلومتراً، وتتوسط الطريق الواصل بين محافظتي اللاذقية وطرطوس، تضم واحداً من أهم
الموانئ السورية، كما تضم سبع نواح هي: (بانياس والقدموس والروضة والعنازة وتالين
والطواحين وحمام واصل)، وتتصل بالمحافظات الوسطى والداخلية عن طريق القدموس مصياف،
يخترقها من جهتها الشمالية نهر السن والذي يعتبر حداً طبيعياً يفصلها عن مدين جبلة
وريفها.
لطالما اشتهرت هذه المدينة الساحلية ذات المناخ اللطيف بتضاريسها التي
تميزها عن باقي مدن الشريط الساحلي، وبغناها
الطبيعي وثروتها الحراجية وكثرة غاباتها ذات الأشجار المتنوعة، وهي محاطة بجبال
تكسوها أشجار الزيتون الذي يشكل أهم المحاصيل الزراعية لسكانها.
وإلى جانب هذا الغنى الطبيعي تمتلئ المدينة وريفها بالأوابد الأثرية
التي تعتبر شاهداً على قدمها، وعلى تتالي الحضارات التي سكنتها، ومنها أطلال
المدينة القديمة التي لم يبق منها إلا أعمدة من الغرانيت، وبعض طواحين المياه
العائدة إلى العهد الروماني، وحمامات عامة بالقرب من نهر بانياس، وجميعها تعود إلى
العهد ذاته، بالإضافة إلى بعض القطع الأثرية من الفترات الإسلامية والصليبية.
وما إن نذكر اسم بانياس حتى تتراءى أمام مخيلتنا قلعتها الشهيرة
المَرقَب، والتي تبعد عنها حوالي 6 كيلومترات، وقد بنيت على قمة جبلية ترتفع 500
متراً عن سطح البحر، كان قد ذكرها أبو الفداء في كتابه تقويم البلدان بقوله: (هي
قلعة حصينة حسنة البناء، مشرفة على البحر، كانت تتبع حمص)، بينما ذكرها ياقوت
الحموي بالقول: (المرقب بفتح الميم، وهي الموضع الذي يرقب منه)، والمَرقب تسميتها
العربية، وقيل عنها في اليونانية ماركابوس.
تاريخياً يعتقد أنها قلعة رومانية، قام العرب بإعادة بنائها أيام
الخليفة معاوية بن أبي سفيان، حتى زمن الخليفة العباسي هارون الرشيد، وفي عام
1104م تمكن القائد البيزنطي جون كانتا كوزيتوس الذي سيطر على اللاذقية من حكمها
فترةً قصيرة، لكنها ما لبثت حتى عادت إلى الحكم العربي تحت لواء بني محرز.
بين العامين 1116 و1118م استطاع أمير أنطاكية روجر احتلال القلعة من المحارزة،
وبقيت تابعة لإمارة أنطاكية حتى عام 1189م، حيث حصلت على حكم مستقل تام تابع لأسرة
مانيسوير الإقطاعية، وهي عائلة ترجع أصولها إلى وسط فرنسا. وفي ظل حكمها عرفت
المرقب بـ مارغت و مارغانت، وقد انصرفت العائلة إلى الاهتمام بمظاهر البناء
الباذخ، وصرفت أموالا طائلة لتحسينها، لكن بين العامين 1170 و1186م حدثت زلازل
دمرت أجزاء كبيرة، لم تستطع العائلة المالكة ترميمها، لذلك باعتها لفرسان
الإسبتارية مقابل مبلغ 2000 قطعة ذهبية سنوياً، وكان آخر ملوك هذه الأسرة برتران
المرقبي، حينئذ قام فرسان الاستبارية بإعادة تحصينها وبناء برج متقدم يطل على
البحر، وظيفته حماية المرفأ، حيث كان البحر يعد الشريان الوحيد للاتصال مع العالم
الأوروبي، فضلا عن كون البرج يعتبر بمثابة منارة للسفن من خلال إرسال إشارات ضوئية
لها، كذلك أدى هذا البرج وظائف جمركية، وهو يدعى اليوم ببرج الصبي، ويعتبر وجهة
سياحية هامة.
لقد كانت سعة القلعة تقدر بمئة شخص، عدا الحامية المدافعة عنها،
ومؤونتها تكفي لخمس سنوات، فضلاً عن كثرة مخازنها واصطبلاتها ومستودعاتها
وثكناتها، كذلك قامت الاستبارية بتحويل كنيسة القلعة إلى كاتدرائية عام 1188م ومن
أجمل أيقوناتها العشاء السري والتي ما تزال حتى يومنا هذا، وقد تتالت عمليات
احتلالها واسترجاعها حتى استردت نهائياً على يد السلطان المملوكي قلاوون 1281م, كل
هذا جعل منها دار عبادة وحرب في آن واحد.
وحاليا تتميز المرقب بمناظر خلابة باتجاه الجبال والوديان من مختلف
جهاتها، وبإطلالتها الساحرة على البحر الممتدة من طرطوس جنوباً حتى الكورنيش الجنوبي
لمدينة اللاذقية شمالا، وبإشرافها على الطريق الدولي طرطوس-اللاذقية، وقد اعتبرها
الباحثون إحدى أهم القلاع في العالم، وصنفت بحسب اليونيسكو قلعة تاريخية مهمة
لاحتوائها على تراث إنساني عظيم، وسجلت على اللائحة التوجيهية لها.
هذا وتشرف قلعة المرقب على قلاع أخرى احتضنتها جبال بانياس منها قلعة
القوز (أوزو)، والتي يرجح أنها تعود إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وقد بنيت
على تلة تنحدر من الشرق إلى الغرب، أما حدودها الشرقية فهي شديدة الانحدار باتجاه
وادي نهر بانياس، الأمر الذي ساهم بزيادة تحصيناتها من تلك الجهة، وأسوارها بنيت
بأحجار ضخمة يبلغ وزن الواحد منها عدة أطنان، بنظام كنعاني قديم، ويذكر المؤرخون
أن بناء أسوار قلعة القوز شبيه ببناء سور القسطنطينية، لكن القلعة اليوم تواجه
مشكلة بناء منازل حي القوز فوق آثارها، ما أدى إلى صعوبة القيام بأي أعمال تنقيب
تكشف المزيد من أسرار هذا الموقع العظيم.
ومن قلاع بانياس التي وصفت أيضاً بعظمتها وتفردها قلعة العُليقة آخذة
تسميتها من الجبل الذي بنيت عليه، وقد قام بناؤها بأكمله على صخرة واحدة ضخمة تأخذ
شكلا بيضويا، لها إطلالة ساحرة من مختلف جهاتها تجمع بين الجبال والوديان وصولا
إلى البحر، كما يقع في الجهة الجنوبية منها وادي جهنم، وهي من القلاع العائدة إلى
العصر الروماني، وقد عثر فيها على بعض الآثار من تلك الفترة.
يحتوي سوراها الداخلي والخارجي على الكثير من الأبراج الدفاعية، والتي
ساهمت بتقويتها، إلى جانب ارتفاع السور الخارجي عن الوديان المحيطة به من كل
الجهات، ما أعطاها شكلا ميزها عن الكثير من قلاع سورية وربما قلاع المنطقة
العربية، أيضاً من المعالم التي تحتويها الحمام الواقع في جهتها الغربية بين
السورين، كما تحتوي على جدار لقصر مهدم، تميزه نوافذه الضيقة من الخارج والواسعة
من الداخل، ما يدل على أنها كانت تستخدم لأسباب دفاعية أثناء الحروب، وهناك أيضاً
داخل السور بعض المنازل القديمة التي تهدمت ولم يتبق منها إلا الأساس الحجري.
يذكر أنه في العصر الإسلامي تمت إعادة ترميم قلعة العُليقة وبناء مسجد
داخل أسوارها إلا أنه تهدم مع مرور الزمن ولم يتبق منه إلا بعض الحجارة، وهي
حالياً تعتبر من القلاع الإسلامية الفريدة في سلسلة الجبال الساحلية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب تعليقك اذا كان لديك أي تساؤل عن الموضوع