جامع النور المغربي باللاذقية ،، سحر وجمال
على الطرف الجنوبي من تلة "حي
القلعة" بـ"اللاذقية" يطل مسجد "المغربي" على مدينة
"اللاذقية" بأكملها، تسحر أنواره كل القادمين والناظرين اليه ..
في أي شارع تتواجد فيه وإلى أي حي
من أحياء اللاذقية تتوجه إليه في الليل والنهار، يطالعك جامع يشرف على المدينة من
أعلى تل فيها، بإطلالة فريدة وبهندسة رائعة لتتحول اللاذقية مدينة الأبجدية الأولى
إلى صفحة كتاب يقرأ تفاصيلها العالم قاطبة، إنه "جامع النور المغربي" الذي يستقر في
الطرف الجنوبي من تلك التلة. وقد سمي الجامع بالمغربي نسبة للشيخ "محمد بن
عبد الله بن أحمد بن محمد ناصر الدين" القادم من وادي درعة ، في المغرب
الأقصى سنة "1178هـ،1764م" من أسرة مشهورة في العلم والصلاح وقد ترك
الشيخ المغربي من بعدها قاصداً الحج سنة "1217هـ،1802م"
ثم قصد المدينة
المنورة، وزار بعدها القدس ومنها إلى دمشق حيث مكث فيها ثلاثة أعوام، وانتهى به المطاف
باللاذقية وقد أحبه أهلها وأحبهم وقد توفي في رمضان سنة "1242هـ،1827م"
جراء وباء الطاعون وعزم الناس على بناء مسجد ليهدوا ثوابه للشيخ فوضع أساس البناء
بداية عام "1242هـ،1827م" وقد كتبت أبيات شعرية للتذكر، وقد ألحق ببناء
الجامع الإيوان بعد ثلاث سنوات، ثم شرع في بناء المئذنة وبذلك انتهى بناء الجامع
ويعتقد أن أحد تلامذة الشيخ "المغربي" ويدعى "أحمد الحلبي" قد
بناه وقد دفن الشيخ المغربي فيه وتم الانتهاء من البناء في عام"1250" هـ
. وعندما كتبت
الأبيات الشعرية وسجلت على لوح رخامي كان فيها لغز محبب لتذكر الشيخ المغربي الذي
أحبه أهل اللاذقية حيث تقول الأبيات:
هذا مقام فيه جبر المنكسر*** وفيه
ضريح محمد زوروا منتصر
صدر الشريعة بالطريقة *** عارف شمس
المعارف بالحقيقة منغمر
قطب الزمان ومظهر الإحسان *** بل
فرد أواني وغوث عصر منكدر
بشرى لكم زواره حاجاتكم *** مقضية
زر سل واجبر واختبر
قد فاز في مقعد صدق أرخوا*** بلا
أمر عند مليك مقتدر
حياته في اللاذقية :
ذكر كتاب نخبة الأخيار في مناقب
القطب الشهير محمد المغربي الناصري للعالم ابن اللاذقية الشيخ عبد الفتاح الأديب
المحمودي رحمه الله أن الشيخ محمد المغربي مكث في اللاذقية عشرون عاما في منزل
السيد محمد الخزندار في حي القلعة إلى أن توفي سنة ألف ومائتين واثنتين وأربعين ،
ونقل عن كل من الشيخ سليمان الأزهري والشيخ أحمد الحلبي ومحمد الخزندار أن الشيخ
المغربي كان أسمر اللون كث اللحية خفيف العارضين مربوع القامة إلى الطول أقرب ، مجللا
بالهيبة والوقار يخاطب الصغير والكبير والجليل والفقير بقوله ( يا عمي ) ، وكان
يحب الفقراء والمساكين يجلس معهم ويعلمهم أمر دينهم ودنياهم ، وكان يلبس الثياب
البيضاء الفاخرة ، ويلبس البرنس الأبيض ويدهن كل يوم بعطر الورد ، تلقاه دائما
مبتسما وكل من رآه أحبه
ويقول الأستاذ جمال حيدر مدير
الآثار باللاذقية سابقا في كتابه "اللاذقية وأهم المعالم الأثرية
والسياحية" حول الجامع: «يعد هذا الجامع من أجمل جوامع اللاذقية عمارة وزخرفة، ولهذا الجامع
ثلاث مداخل وصحن الجامع هو عبارة عن ساحة مكشوفة مستطيلة الشكل في وسطها بركة
مستطيلة قليلة العمق وقد كان الماء ينصب من فتحة في جدار الصحن الشرقي تصل بين
البركة والناعورة التي كانت فيما مضى موجودة شرق الجامع». ويتميز الجامع بحفاظه
على الطراز الذي بني عليه دون أي إضافات تذكر حيث أن له مدخلين المدخل الرئيسي
غربي يتقدمه "82" درجة يتخللها "3" استراحات ينتهي بالباب
الرئيسي وهو باب خشبي كبير يعلوه قوس حجري مع لوحة حجرية مكتوب عليها:
جامع النوري جلاء الكرب *** أحمدي
فيه نيل المآرب
قد بناه أحمد الفضلي الذي *** حاز
بالأستاذ أعلى الرتب
ومقام القطب فيه أشرقت *** منه
أنوار الإمام المغربي
وبه حاجات تقضى فاسألوا *** كل خير
واجتهدوا في الطلب
فالندى أرخ أجاد مبشرا *** جامع
النوري جلاء الكرب
أما المدخل الثاني فهو شرقي ويصعد
إليه من الجهة الجنوبية أيضا بـ "17" درجة بعدها قوس حجري تم تركيب
الحجر فيه بطريقة معمارية نادرة وجميلة ويفتح الباب الشرقي على ساحة كبيرة مستطيلة
الشكل في وسطها بركة مستطيلة قليلة العمق ويوجد إلى جوار البركة تاج عمود قديم
كورنثي مفرغ من الداخل ليتم الوصول عبره إلى خزان ماء يقع أسفل البركة وإن الجدار
الغربي للجامع هو الواجهة الرئيسية ويقسمه المدخل الرئيسي إلى قسمين يمين ويسار الباب
ويوجد على هذا الجدار من جهة اليسار "6" نوافذ تطل على الغرب، وإلى يمين
الباب الغربي توجد فسحة مسقوفة بأقواس حجرية على شكل نجمي يصعد إليها بدرجتين في
وسطها جرن رخامي سداسي الشكل على شكل نافورة تنتصب المئذنة بين الإيوان والحرم
بابها من ساحة المسجد ويتم الوصول إليها عبر درج حجري حلزوني وهي مؤلفة من اثنتي
عشر ضلعاً يحيط بها طوق حجري مزخرف وقد كتب على لوحة على جدار المئذنة:
منارة بالنور ضاءت *** وبها الحسن
تناها
فهي تجلى كعروس *** فانظروا حسن
سناها
للرخى أرخت قصداً *** أحمد الفضل
بناها
أما شرفة المئذنة فهي خشبية، تستند
على مقرنصات حجرية زخرفية جميلة تعلوها قبة حجرية صغيرة وقد ضربت صاعقة مئذنة
المسجد سنة "1909"م فأطاحت بها ثم أعيد بناؤها مجدداً أما المصلى فيتم
الدخول إليه من الفسحة السماوية عن طريق باب خشبي عريض يبلغ "2.5" متر
يعلوه قوس حجري مع زخرفة على شكل مستطيل يحيط بالباب كإطار تعلوه لوحة مستطيلة
الشكل محاطة بزخرفة، وتوجد فتحتين إلى يمين ويسار اللوحة على شكل نجمة سداسية على
يمين ويسار الباب الرئيسي للمصلى نافذتين تطلان على الساحة، ويوجد فوق الباب سدة
خشبية وهي عبارة عن مقصورة خشبية مزينة بزخارف ملونة بأسلوب فني معرف بالنقش
العجمي وكانت تستخدم لخطبة الجمعة.
أما غرفة الضريح فهي مربعة الشكل
يتوسطها مقام الإمام "المغربي" وبجواره قبر تلميذه "أحمد
الحلبي" تعلو الجدران الأربعة للضريح أقواس حجرية، أما عن سقف الضريح فهو
عبارة عن قبة محمولة على مضلع ثماني، بكل ضلع نافذة خشبية ويوجد داخل الضريح ساعة
خشبية مهداة من أحد السلاطين وهي بحالة جيدة ومازالت تعمل حتى الآن ويوجد على
الجدار الفاصل بين غرفة الضريح والمصلى نافذتين مطلتين على المصلى ومغلقتين بقضبان
نحاسية وأرضية النافذة مبلطة بالرخام الملون بأشكال هندسية جميلة.
وتحتوي إحدى الحجرتين الحجريتين على
صندوق يفصلك عنه زجاج شفاف ويحتوي بداخله على ثلاثة شعرات يعتقد بأنها للنبي محمد
(ص)، اثنان منها أهداها أحد السلاطين العثمانيين وواحدة أتى بها الشيخ (محمد
المغربي) حين هجرته من مكة المكرمة إلى اللاذقية ولكن بقي الدليل غير معلوم وبات
حسبان هذا الأثر على صعيد حسن الظن ليس إلا، ويقال أن الإثبات التاريخي للأثر حرق
حين حرقت اللاذقية بتأثير الحروب التي مرت بها وبالتالي ذهبت مع من ذهب من الدلائل
الموجودة في ديوان دار الوقف حينها، وبالتالي عملت مديرة الأوقاف على اعتبارها
كذلك ويتسنى للناس التبرك بها في آخر يوم جمعة من شهر رمضان كل عام لتظهر جلية في
صلاة الفجر ويستمر عرضها حتى تمام صلاة العشاء ومن ثم تعاد إلى مكانها في الحجرة
داخل مدفن الشيخ وتلميذه وتصبح ساحة المسجد الواسعة والقديمة، حين عرض هذا الأثر
الشريف مكتظة بالناس والزوار اللذين يبتغون الدعاء والتبرك فيها، وكانت تحت شيخ
الحضرة وإمام الجامع الحافظ الضرير محمد كامل شريقي ( عطية ) الذي عايش الأثر
لأكثر من 50عاماً .